الإسلام- الحرية، العدالة، والمساواة أساس الحكم الرشيد.

المؤلف: صدقة يحيى فاضل11.05.2025
الإسلام- الحرية، العدالة، والمساواة أساس الحكم الرشيد.

إن الشريعة الإسلامية السمحاء تحث بني البشر على التمسك بالحرية والعدل والمساواة والتكافل الاجتماعي والتحاور والتشاور في كل الأمور الحياتية، كما أنها تحث على طاعة الحكام الذين يتم اختيارهم من قبل شعوبهم في الأمور التي لا تخالف تعاليم الدين الحنيف. وقد أولى الإسلام مبدأ العدالة اهتماماً بالغاً، وجعله في صميم تعاليمه السمحة. والعدالة في الإسلام لا تتعارض مع المبادئ الأخرى، بل هي جوهرها وعنوانها البارز؛ فالعدالة بمفهومها الإسلامي الشامل تعني الحرية بمعناها الراقي، والمساواة الحقيقية، والشورى المستنيرة، والتكافل الاجتماعي البناء، وكل ذلك في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية الغراء. وعلى سبيل المثال، فإن العدالة لا تقتضي بالضرورة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق والواجبات، بل قد يكون العدل في بعض الحالات (كالإرث) هو التفريق بين الجنسين، تحقيقا للمصلحة، وتطبيقا للإنصاف. ولما كان الإسلام يرفض الاستبداد السياسي رفضاً قاطعاً، ويحاربه بكل الوسائل، فإنه يحرم على المسلمين اتخاذ أي إجراءات أو سلوكيات تؤدي إلى هذا المحظور شرعاً وعقلاً. ومن يفعل ذلك فإنه، عن قصد أو غير قصد، يقدم العون للاستبداد، ويساهم في نشره، رغم ما يترتب عليه من كوارث جسيمة، وعيوب سياسية واجتماعية لا حصر لها. ولقد جاء الفكر السياسي الإنساني ليؤكد على سمو وعظمة هذه القيم، ويعمق فهمها، ويزيد من تقديرها، ويحث على ضرورة الالتزام بها في الحياة العامة للمجتمعات، وتأسيس الأنظمة السياسية على دعائمها، وذلك من أجل تخفيف المعاناة عن الإنسان، وتيسير حياته، وجعلها أكثر كرامة. وأصبح تبني هذه المبادئ في الواقع ضرورة ملحة تفرضها الحاجة الإنسانية السليمة، وليس مجرد ترف أو تزيين. ويمكن تلخيص المضمون العام لهذه المبادئ الخمسة في النقاط التالية: 1 – الحرية: هي حق الفرد والمجتمع في التعبير عن آرائهم، وممارسة أنشطتهم، بشرط أن يكون ذلك متوافقاً مع القانون الذي ارتضوه، وألا يلحقوا بالآخرين أضراراً غير مشروعة. 2 – العدالة: هي صيانة الحقوق، والوفاء بالواجبات، والمساواة بين الناس في إطار الشريعة الإسلامية السمحة. 3 – المساواة: هي تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات، وتكافؤ الفرص بينهم. 4- الديمقراطية: هي حكم الشعب لنفسه، وتأصيل السلطة في يد الشعب، وانتخاب سلطة تشريعية (برلمان) وفق شروط محددة. وفي حالة انتخاب رئيس للبلاد، فإنه يفوض إليه سلطة التنفيذ فقط. مع بقاء السلطة القضائية مستقلة، ومناط بها الرقابة العليا، وتفسير الدستور، وضمان الالتزام به. وهي آلية للحكم ظهرت كبديل للديكتاتورية، ويمكن تكييفها مع العقيدة التي يؤمن بها أغلبية الشعب. 5 – التكافل الاجتماعي: هو قيام الدولة بتوفير حد أدنى من العيش الكريم للمحتاجين، والأخذ من الأغنياء وإعطاء الفقراء، دون ظلم أو تعسف. وتتبنى معظم دول العالم اليوم مبدأ العلمانية في أنظمتها السياسية، كإطار لصنع القرارات، مع احترام أديان شعوبها. والعلمانية تعني الفصل بين الدين والدولة، والاعتماد على القوانين التي يسنها المجتمع لخدمة المصلحة العامة، في إطار القيم التي يؤمن بها. وبالتالي، يمكن لأي دولة أن تأخذ بهذه المبادئ في إطار دين غالبية سكانها، ونبذ العلمانية المتطرفة، وجعل شريعتها المصدر الرئيس للتشريع. وهناك اتفاق واسع النطاق على الجوهر الأساسي لهذه القيم والمبادئ، وإن كان الاختلاف يظهر في التفاصيل والتطبيقات. إلا أن هذا الاختلاف في التفاصيل لا ينفي الاتفاق على الجوهر، الذي تتفق عليه جميع الأديان والأعراف الإنسانية. ويرى المفكرون أن هذه المبادئ صالحة ومفيدة لجميع الناس، في كل زمان ومكان، رغم اختلاف التفاصيل والظروف. إن رفض مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والتكافل الاجتماعي، أو رفض جوهرها، أو التشكيك فيها، أو تجاهلها، يدل على جهل بأهميتها، أو سوء فهم لها، أو عدم إيمان بمضمونها الخير، وانتهاك للحقوق الإنسانية الراسخة. ويرى معظم المفكرين السياسيين أن المجتمع الذي يلتزم بتطبيق هذه المبادئ، من خلال وضع الآليات العملية التي تكفل تحقيقها على أرض الواقع، هو مجتمع سعيد حقاً، وليس مجرد أقوال. وتشقى المجتمعات التي لا تلتزم بذلك، أو تطبقها بشكل خاطئ، أو تدعي الالتزام بها. ومن الخطأ القول بأن هذه المبادئ لا تصلح لمجتمع معين، بل هي تصلح لكل المجتمعات، وفي كل الأوقات، ما لم يكن هناك ظرف استثنائي مؤقت، أو حالة نادرة غير طبيعية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة